من شعر ابو العتاهية
صَبتِ لَنا دونَ التَفَكُّرِ يا دُنيا أَمانِيَّ يَفنى العُمرُ مِن قَبلِ أَن تَفنى
لِكُلِّ امرِئٍ فيما قَضى اللَهُ خُطَّةٌ مِنَ الأَمرِ فيها يَستَوي العَبدُ وَالمَولى
وَإِنَّ امرَأً يَسعى لِغَيرِ نِهايَةٍ لَمُنغَمِسٌ في لُجَّةِ الفاقَةِ الكُبرى
بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عيــني فلـم يُغـنِ البُكــاءُ ولا النّحـيبُ
فَيا أسَفاً أسِــفْتُ علــى شَبــابٍ نَعاهُ الشّيبُ والرّأسُ الخَضِيبُ
عريتُ منَ الشّبابِ وكنتُ غضاً كمَا يَعرَى منَ الوَرَقِ القَضيب
فيَا لَــيتَ الشّبــابَ يَعُودُ يَوْماً فـأُخــبرَهُ بمـا فَعَـلَ المَـشيــبُ
ومن شعر الزهد:
لا يأمن الدهر إلا الخائن البطر من ليس يعقل ما يأتي وما يذر
ما يجهل الرشد من خاف الإله ومن أمسى وهمته في دينه الفكر
فيما مضى فكرة فيها لصاحبها إن كان ذا بصر بالرأي معتبر
أين القرون وأين المبتنون بها هذي المدائن فيها الماء والشجر
وأين كسرى انوشروان مال به صرف الزمان وأفنى ملكه الغير
بل أين أهل التقى بعد النبي ومن جاءت بفضلهم الآيات والسور
أعدد أبا بكر الصديق أولهم وناد من بعده في الفضل ياعمر
وعد من بعد عثمان أبا حسن فإن فضلهما يروى ويدكر
لم يبق أهل التقى فيها لبرهم ولا الجبابرة الأملاك ما عمروا
فاعمل لنفسك واحذر أن تورطها في هوة ما لها ورد ولا صدر
ما يحذر الله إلا الراشدون وقد ينجي الرشيد من المحذورة الحذر
الناس في هذه الدنيا على سفر وعن قريب بهم ما ينقضي السفر
فمنهم قانع راض بعيشته ومنهم موسر والقلب مفتقر
ما يشبع النفس إن لم تمس قانعة شيئ ولو كثرت في ملكها البدر
والنفس تشبع أحيانآ فيرجعها نحو المجاعة حب العيش والبطر
والمرء ما عاش في الدنيا له أثر فما يموت وفي الدنيا له أثر
هوإسماعيل بن القاسم بن سويد العنزي ، أبو إسحاق، وهناك رأيان في نسبه، الأول أنه مولى عنزة والثاني "أنه عنزي صليبة وهذا قول ابنه محمد وما تأخذ به عدد من الدراسات الأكاديمية"، ولد في عين التمر سنة 130هـ/747م، ثم انتقل إلى الكوفة، كان بائعا للجرار، مال إلى العلم والأدب ونظم الشعر حتى نبغ فيه، ثم انتقل إلى بغداد، واتصل بالخلفاء، فمدح الخليفة المهدي والهادي وهارون الرشيد.ان أبو العتاهية قد قدم من الكوفة إلى بغداد مع إبراهيم الموصلي، ثم افترقا ونزل الحيرة، ويظهر أنه كان مشتهرا في الشعر، لأن الخليفة المهدي لم يسمع بذكره حتى قدم بغداد، وعرف أبو العتاهية طريق قصر المهدي عن طريق صديق استدعاه إليه، فاستمع المهدي إلى شعر أبي العتاهية فأعجب به ونال رضاه. وكان أبو العتاهية دميم الوجه قبيح المنظر، واتفق أن عرف أبو العتاهية (عتبة) جارية الخليفة المهدي. فأولع بها وطفق يذكرها بشعر فغضب الخليفة المهدي وحبسه ولكن أبا العتاهية استعطفه بأبيات من الشعر. فرق له المهدي وأخلى سبيله. وانقطع إلى قول الشعر في الزهد في الدنيا والتذكير بالآخرة، ويتميز شعره بسهولة الألفاظ ووضوح المعاني ويمثل روحية فقير هجر الحياة وملذاتها وسلك طريق الآخرة